معهد سنغالي : زحف صامت نحو موريتانيا والسنغال ” تَمدد جماعة نصرة الإسلام “
تقرير دولي يُحذر من تمدد الجماعات المسلحة في الساحل ويضع موريتانيا والسنغال في دائرة الخطر الأمني والاقتصادي
مع تزايد تعقيد المشهد الأمني في منطقة الساحل، وانفلات زمام السيطرة في العديد من مناطق مالي، أطلق “معهد تمبكتو – المركز الإفريقي لدراسات السلام” تحذيرًا جديدًا بشأن تصاعد تهديد جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، مشيرًا إلى محاولاتها التمدد باتجاه موريتانيا والسنغال، من خلال استغلال الاقتصاد غير الرسمي، والمناطق الحدودية ذات الغطاء الأمني الضعيف.
ويُعد هذا التقرير، الذي صدر في 27 أبريل 2025، من أهم الوثائق التحليلية الأخيرة التي تناولت خطر هذه الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، من منظور إقليمي شامل، موثق بالأحداث والمعطيات الميدانية.
التهديد يقترب من الحدود الموريتانية
وفقًا للتقرير، فإن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وسّعت عملياتها في منطقة كايس المالية القريبة من الحدود مع موريتانيا والسنغال، مستخدمة استراتيجيات هجينة تمزج بين العمل المسلح والأنشطة الاقتصادية غير القانونية.
وأشار التقرير إلى أن الجماعة تنفذ “هجمات معقدة” ضد قوات الأمن المالية، وتمارس الابتزاز ضد المدنيين، إلى جانب انخراطها المتزايد في تجارة غير مشروعة، مثل قطع الأشجار والتعدين. وهذه القطاعات تحديدًا، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتجارة البينية مع موريتانيا، ما يجعل من الاقتصاد بابًا غير مباشر للنفاذ.
الهدف: إضعاف دولة مالي وتوسيع النفوذ
ويرى معهد تمبكتو أن هدف الجماعة هو طرد قوات الأمن من المناطق المحيطة بالعاصمة باماكو، و”نزع الشرعية عن الدولة”، لتوسيع نطاق عملياتها. وقد استدل التقرير بهجومها الكبير على العاصمة المالية يوم 17 سبتمبر 2024، والذي استهدف مدرسة للدرك ومطارًا عسكريًا، وخلّف أكثر من 100 قتيل، في أعنف هجوم يُسجَّل ضد باماكو منذ 2015.
وتحذّر الوثيقة من أن الجماعة “قد تستخدم النفاذ إلى قطاعات الاقتصاد غير الرسمي في موريتانيا والسنغال لتوسيع شبكاتها العابرة للحدود”، تمهيدًا لاحقًا لتسلل أمني وعسكري تدريجي.
موريتانيا في دائرة الاستهداف الاقتصادي
ورغم أن التقرير ركّز تحليله على السنغال، إلا أن المعطيات التي أوردها تنطبق على موريتانيا، لا سيما من جهة الحدود الشرقية مع مالي، حيث تنشط تجارة الفحم والذهب ومشتقاتها، وغالبًا دون رقابة كافية. ويشير التقرير إلى أن مثل هذه الأنشطة، رغم طابعها المحلي، قد تتحول إلى مصادر تمويل خطيرة للجماعات المسلحة.
ويرى التقرير أن أولويات الجماعة على المدى القصير قد تقتصر على النفاذ الاقتصادي إلى موريتانيا، لكن هذا لا ينفي إمكانية “توسيع السيطرة تدريجيًا”، خاصة في ظل هشاشة بعض المناطق الحدودية اجتماعيا وأمنيًا.
سياق إقليمي متفجر
في مارس الماضي، نفذت القوات المالية هجومًا بطائرة مسيّرة في منطقة “سوق اجدير” قرب الحدود الموريتانية، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، بينهم موريتانيون، وفق شهادات محلية. وفي يناير، استهدفت الجماعة مدينة “نيورو دي ساحل” الحدودية، في هجوم وصفه السكان بالعنيف.
وعلى خلفية هذه التطورات، احتضنت مدينة سيلبابي يوم 14 يناير 2025، اجتماعًا ثلاثيًا ضم قادة المناطق العسكرية الحدودية من موريتانيا ومالي والسنغال، لبحث سبل تعزيز التنسيق الأمني، وهو ما يعكس حجم القلق المتنامي لدى العواصم الثلاث.
ما الذي يجب على موريتانيا فعله؟
يقدم التقرير مجموعة من التوصيات التي يمكن إسقاطها على السياق الموريتاني، من بينها:
1. تعزيز الوجود الأمني والعسكري في الولايات الحدودية (الحوضين، كيدي ماغا، گورگول)، وخاصة في النقاط التي تعرف نشاطًا اقتصاديًا عابرًا.
2. تنظيم ومراقبة تجارة الفحم والذهب والمنتجات المرتبطة بالتعدين، بما في ذلك مراقبة حركة الشاحنات والناقلين بين البلدين.
3. تفعيل الاستخبارات المجتمعية، عبر إشراك الأئمة والوجهاء التقليديين في التوعية ضد خطاب الجماعات المتطرفة.
4. زيادة التنسيق الميداني مع مالي والسنغال، خصوصًا عبر اجتماعات دورية وتبادل آني للمعلومات الأمنية.
5. التركيز على السياسات الوقائية، من خلال برامج دعم اقتصادي للشباب في المناطق الهشة، لمنع وقوعهم في فخ التجنيد
ختاما
لا تزال موريتانيا بمنأى عن هجمات الجماعة المسلحة، إلا أن التهاون في قراءة هذه المؤشرات قد يُعجّل بفتح ثغرات أمنية واقتصادية يصعب سدها لاحقًا. ومع تقاطع التهريب، والاقتصاد غير الرسمي، والفراغات الأمنية، تبدو حدود كيدي ماغا وكوركول والحوضين أقرب إلى خط تماس غير معلن مع جماعات تطوّر نفسها بصمت.
إن التحرك الاستباقي لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية.