مقالات وتدوينات

حديث عن الفساد ( الفقاعة العقارية و تعطل المشاريع ) / بابه ولد يعقوب ولد أربيه

ربما يكون الإسقاط طفوليا ولكني أخاف بشكل جدي من فوز السلحفاة مرة ثانية على الأرنب فحين تتمادى أسعار العقار ” أرنب السباق ” في استهتارها ربما تمنعها قواعد العرض والطلب من مواصلة الجري في المضمار بينما سيصل وإن كان متأخرا دخل المواطن ” سلحفاة السباق ” إلى خط النهاية و تحدث الفقاعة العقارية .

من بين الأمور التي انتهت مع الربيع العربي ظاهرة إخفاء المال العام المشبوه في البنوك الغربية ، ساعتها لجأ ذو الجيوب المنتفخة بالمال العام إلى إخفاء أموالهم في العقار فباتوا يشترون الأراضي بشكل هستيري دون اكتراث للثمن ! وبشكل لوغاريتمي ارتفعت العقارات .

الفساد ليس السبب الوحيد فهنالك انخفاض صرف بعض العملات العربية أمام الدولار وتعويم أسعار بعضها زد على ذلك النمو السكاني واستمرار النزوح نحو المدن الكبيرة ، هذا بالإضافة إلى التضخم وارتفاع أسعار الاسمنت والحديد .

طبعا موريتانيا غير مستثناة من هذا الواقع العربي فأرانبها تتقدم السباق وسلحفاتها تتذيله .

في الآونة الأخيرة وصلت أسعار العقارات في نواكشوط إلى مستويات تجعل من المستحيل على أبناء الطبقة الوسطى الحصول على قطعة أرضية بمكان لا ئق ، وفي نواكشوط أيضا صارت القطع الأرضية المخصصة أصلا لغرض السكن تُستغل لغرض آخر يتمثل في ” تخزين القيمة ” الذي يؤدي التمادي فيه إلى الركود ، ومن البديهي أن عجز الطبقة الوسطى عن اقتناء العقارات المصحوب بالركود يؤدي إلى الاختلال في ميزان العرض والطلب وبالتالي إلى انهيار أسعار العقارات مع ما يصاحبه دائما من هزات ارتدادية منها على سبيل المثال خسائر بعض البنوك بسبب الرهون العقارية .

ولتفادي هذه الفقاعة العقارية يجب على الحكومة انتهاج سياسة مستدامة تستصلح الأراضي وتخطط للتوسع العمراني مع احترام المعاير التالية :

– النمو الديمغرافي

– الوضع الاقتصادي

– تشجع السكان على العودة إلى المدن الداخلية والاستثمار فيها لتخفيف الضغط عن نواكشوط .

– التميز بين مشتري العقارات لغرض السكن و مشتريها لتخزين الأموال – التي قد تكون غير مشروعة – وذلك من خلال تشجيع الصنف الأول وفرض قيود على الصنف الثاني .

الشق الثاني من هذا المقال يخص رافدا أساسيا من روافد الفساد يتمثل أساسا في التلاعب بالمشاريع التنموية (دراسة و تنفيذا و مراقبة ) وهو ما يفسر هشاشة البنى التحتية عندنا مقارنة بدول الجوار .

من مظاهر هذا التلاعب المضحكة المبكية في آن واحد هو :

– أن أي شركة فشلت بالأمس في تنفيذ مشروع معين أو تعثرت كثيرا أثناء تنفيذه يمكنها أن تشارك في المناقصة الموالية بكل وقاحة وتعرض ذات الامكانيات والطاقم الفاشلين آنفا لتنفيذ مشروع مماثل والكوميديا السوداء في الموضوع أنها قد تفوز بالمناقصة الموالية .

– أثناء تقويم الملفات وبعد اجتياز الجانب الفني تعطى المناقصة للأقل سعرا و من هذه الثغرة صارت بعض الشركات ومكاتب الدراسات تتقدم بسعر لا يمكنها بأي حال أن تنفذ به المشروع وعند الفوز بالمناقصة تلجأ الشركة أو المكتب إلى الطرق الملتوية مما قد يقضي على المشروع أو يؤجله في أحسن الأحوال .

– الصلاحيات المبالغ فيها لمنسق المشروع والتي تجعله لا يتلق الأوامر إلا من الوزير واحيانا تعطيه سلطة فوق الوزير ، هذه الصلاحيات غير المبررة تجعل من بعض منسقي المشاريع دكتاتوريين و مستبدين وأحيانا يتحول المشروع إلى صالون للأسرة أو خيمة للقبيلة .

والحل في نظري يكمن فيما يلي :

– أي شركة أو مكتب دراسات سبق وأن فشلا في تنفيذ مشروع أو دراسة أو مراقبة – وفقا الآجال المحددة – يتم استبعادهما لمدة ثلاثة أعوام من المشاركة في المناقصات الوطنية سواء المحلية أو الدولية .

– وضع مبلغ مالي كحد أدنى لتنفيذ المشروع واقصاء كل من تقدم بعرض مالي أقل ولو بألف أوقية قديمة وذلك سدا لباب التحايل و التسويف والتأخير و الوساطة .

– الحد من صلاحيات منسقي المشاريع و إعادتهم للسلم الاداري الطبيعي من خلال تبعيتهم المباشرة لاداراتهم المعنية .

في الوقت الراهن لا يمكنني أن أحارب الفساد إلا بقلمي وهو مبلغ جهدي و سأظل إن شاء الله أخوض معركتي حتى أرى بلدي على سكة النمو والحكامة الرشيدة والتنمية المستدامة .

حفظ الله موريتانيا .

بابه ولد يعقوب ولد أربيه

مهندس في مجال المياه والصرف الصحي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى